يوميات ساخرة عن جنون حياتنا ومفارقاتها

١٢/١٥/١٤٢٦

كومون كورتيسي Common Courtesy



هذه الجملة تسمعها في العالم المتحضر ولا تسمعها في عالمنا العربي، لماذا؟ إن ترجمة معنى الجملة تجعلها بالعربية (الذوق العام) ولكن كلمة (الذوق) كلمة مطاطة وتحتوي ضمنها العديد من المعاني الفرعية مثل (الاحترام، اللطف، الكياسة، الأدب، حسن الخلق، حسن التعامل، حسن التربية، وغيرها) فماهي الأمثال التي تحتوي على (الذوق العام) بشكله الاجمالي؟

مثال1: جار يتخصص في إيقاف سيارته أمام منزل جاره حتى في حال وجود موقف فارغ أمام منزله ويتسبب بمضايقة الجار عند إتيانه بأغراض ثقيلة وعندما تعاتبه يقول لك (الشارع مو ملك أبوك) .. هذا الإنسان لا يوجد لديه كومون كورتيسي

مثال2: رجل يقود سيارته بشكل يخالف كل الأعراف والأداب الخاصة والعامة للطريق وعندما تنرفز عليه ينرفز عليك كأن الشارع (ملك أبيه) وعليك أنت فقط احترامه واحترام أمثاله ممن ليس لديهم أي حس بالكومون كورتيسي

مثال3: غريب أو صديق يسألك إذا ما كان التدخين يضايقك وعندما ترد بالإيجاب يقول لك بأنها مجرد سيجارة واحدة وينتهي به الأمر بتدخين علبة كاملة أو أكثر ومضايقتك وكل الحاضرين وهو يبتسم ويضحك.

مثال4: صديق يترك أولاده يعيثون في حديقتك فسادا وكأنهم من سلالة يأجوج ومأجوج ويهلكون الحرث والنسل (بتسببهم لك بما يقارب الجلطة) وهو يعتبر زيارته لك حبا بك ولا يعلم أنك تلعن الساعة التي تعرفت فيها عليه والساعة التي نسي فيها استعمال مانع الحمل!! هذا الشخص لا يعرف حتى تهجئة كومون كورتيسي.

مثال5: إمام المسجد الذي يصحو متأخرا عن وقت الإقامة، ويترك المصلين يغلون في أماكنهم وهم بانتظار (حضرة جنابه) حتى يحضر ويصلي بهم وهم يستمعون لجميع المساجد المجاورة وقد بدأت بالصلاة، وعندما يحضر جنابه، لا يشعر بأي خجل بل يقوم بأداء ضعف عدد ركعات السنة وكأن جميع المصلين مجبرون على تحمل أشكاله ويتناسى قول المصطفى صلى الله عليه وسلم (ثلاثة لا ترفع صلاتهم فوق رأسهم شبرا.....(ومنهم)ورجل أم قوما وهم له كارهون) هذا الإمام لا يعرف شيئا عن الكومون كورتيسي وكل ما يعرفه هو إرضاء ذاته الأنانية وزيادة بعض الدراهم إلى دخله الشهري.

وهناك العديد والعديد من الأمثلة الحية التي نراها كل يوم في حياتنا وكل مرة أرى فيها مثالا جديدا أتحسر على وضع أمتنا الذي أصبح في الحضيض لأن غيرنا ممن لم يؤمر بمحاسن الأخلاق أخذ بها، ونحن نتسابق في بيعها وبأزهد الأثمان.

الصعود إلى الهاوية



منذ سنين عديدة، ومن أول اطلاع لي على أدب الدكتور غازي بن عبدالرحمن القصيبي، وأنا أجد نفسي في شخصيته، وأتخيل أنه لو مرت بي الفرص التي مرت به فسوف يكون تعاملي كما تعامل هو معها. لقد قرأت أكثر كتبه ولعشرات المرات، فـ (العصفورية) مثلا قرأتها ما لا يقل عن مائة مرة، ورواية (7) قرأتها أكثر من سبعين مرة، و(شقة الحرية) مالا يقل عن عشر مرات، وغيرها الكثير الكثير مما قرأ أكثر من مرتين أو ثلاث مرات على الأقل.. واستطيع أن أقول بعد معرفتي لهذا الرجل من قرائتي له ما يلي:

1. إن هذا الرجل ضحية لقرار سياسي وضعه على طريق الهاوية، فقد كانت شعبيته في أوجها عندما كان في الوزارة، ومحبوه بالملايين داخل السعودية وخارجها واستمروا على حبهم له عندما تحول إلى (سعادة السفير) ولكن، عندما قبل القرار السياسي بإعادته إلى سلك الوزارة، فأظن أن قبوله لهذا العمل مجددا هو بداية النهاية لهذه الشعبية وهذا الحب من الناس.
إن الوزارة التي يشغلها الدكتور غازي القصيبي حاليا هي ما يطلق عليه في الغرب مصطلح (ديث ويش) أو اذا صح التعريب (أمنية الموت) والتي تعني الخيار الذي ينتج عنه عكس ما يتمناه المرء. فأمنية الموت هذه قتلت كل ما للدكتور من شعبية لدى الناس (في المملكة فقط) وجعلت له من الذامين والقادحين أكثر من المادحين والمعجبين، فليته قال (لا) وختم حياته بالمسك بدل أن يختمها بما هي عليه الآن!!

2. لطالما سألت نفسي، إن قابلت الدكتور غازي فماذا سأقول له؟ وقد عرفت السؤال المثالي الذي أود أن أطرحه على الدكتور وأتمنى أن يكون لديه إجابة شافية منطقية كعادة كل إجاباته: السؤال يتعلق بالبحث المستمر في كتبه عن إيجاد (الديمقراطية)المثالية في الدول العربية، والرغبة في إصلاح أوضاع المواطن المعيشية والاجتماعية لتصبح مثيلة لما هي عليه في الدول المتقدمة (وأكرر، الأوضاع المعيشية وليس الدينية) وقد سأل بطل العصفورية أكثر من مرة وقارن بين أنواع الديمقراطيات المختلفة في جميع أنحاء العالم، ولكن سؤالي يأتي هنا: فلماذا يا دكتور لم تقم بطرح فكرة الديمقراطية الإسلامية كحل لمشكلات المواطن؟ هل تظن يا دكتور أن خير القرون والقرنان التاليان له كانا لا يتمتعان بمزايا الديمقراطية الحقة؟ فالقرآن أتى بمبدأ (الشورى) والحديث الشريف حث على الاستشارة والرسول عليه الصلاة والسلام ثم الخليفتان الراشدان من بعده كانوا لا يقررون في أمر لم يرد فيه نص إلا باستشارة كبار الصحابة والذي كانوا (البرلمان) في ذلك العصر، ودستور الجميع هو (القرآن والسنة) وكانت تلك القرون هي خير القرون بشهادة المصطفى عليه الصلاة والسلام.. فكيف ترى هذه التجربة الديمقراطية؟ هل هي تجربة ناجحة يصح أن نجعلها مثالا نحاول الاقتداء به أم هي تجربة فاشلة؟ أود ومن كل قلبي أن أسمع إجابة الدكتور غازي القصيبي التفصيلية عن هذا الموضوع وأتمنى أن لا يكون كما يقول عنه البعض (علمانيا) يرى أن الدين لا يصلح للدولة وأتمنى أن يكون دائما عند حسن ظني به وأن يختم الله له ولنا بالعمل الصالح إنه على كل شيء قدير.