يوميات ساخرة عن جنون حياتنا ومفارقاتها

٣/٢٠/١٤٢٥

اليابانيون العرب


من الذي قال أننا نحاول أن نقلد الغرب في كل شيء؟ فنحن إضافة إلى ذلك نحاول تقليد الشرق أيضا ... نعم نحن من الشرق ولكننا من الدرجة العاشرة في هذا الشرق .. وهذه الدرجة تقلد الدرجة الأولى والتي أعتبرها (اليابان) .. كيف ذلك؟ ببساطة شديدة سأعرض مثالين بسيطين على أساليب إدارة الشركات وتعاملها مع الموظفين في اليابان .. وفي دول العالم العاشر لدينا.

في اليابان .. يمكننا تلخيص سياستهم في التعامل مع الموظف بالشكل التالي: لن نغري الموظف بالانضمام إلينا ولكن من ينضم فسوف نغريه بالبقاء .. فلا توجد رواتب أساسية تدخل أرقامها في الخانات الفلكية ولا مزايا تقارب مزايا مهراجات الهند ولكن هناك الراحة النفسية بعد انضمام الموظف لعائلته في الشركة.. نعم أكرر كلمة عائلته .. فهناك يعتبر الجميع أنفسهم في عائلتهم الثانية .. حيث ترعى الشركة جميع حاجات موظفيها وتسعى إلى راحتهم النفسية والتعامل معهم بأسلوم يحببهم في البقاء لأطول وقت ممكن في أروقتها وبذل كل ما يستطيعون من جهد لإنجاح الأعمال المنوطة بهم .. ويحظى أفراد هذه العائلة على جزء من الأسهم الاستثمارية في هذه الشركة حتى يعرفوا أن ربحية الشركة ستعود عليهم بالمنفعة .. كل هذا غيض من فيض من المزايا التي نحاول بقدر الإمكان تقليدها ..

هذا يعود بي للمثال الذي جعلني أكتب هذه اليومية .. فرئيس الشركة التي أعمل بها يحرص على اتباع النظم اليابانية في تعاملاته مع الموظفين وإليكم المثال الحي:

أحد المدراء التنفيذيين والذي يعتبر من الشخصيات الثانية بعد رئيس الشركة .. أصيبت سيارته في حادث مروري بدون خطأ منه .. وأخبرته شركة التأمين بأنه يمكنه إصلاح السيارة في المكان الذي يرغبه وإحضار فواتير تكلفة الإصلاح حتى يعوضوه عن ما دفعه .. ولكن يبدوا أن السيولة النقدية لم تسعف المدير التنفيذي في هذا الوقت فاستعان بخطاب أرسله لرئيس الشركة طالبا منه القيام بدفع رسوم إصلاح سيارته والتي هي بالطبع سيارة الشركة .. واستيفاء ما سيدفع لاحقا من شركة التأمين .. عملية بسيطة وليس فيها أي خسارة من أي نوع .. فماذا كان رد الرئيس؟ كان استفساره كالتالي: كيف يأتي هذا المدير التنفيذي للعمل إذا كانت سيارته لا تعمل؟ هل استأجر سيارة وتقوم الشركة بدفع نفقات استئجارها حتى يتم إصلاح سيارته؟؟؟؟؟؟؟

رئيس عام لشركة رأس مالها بعشرات الملايين .. يتسائل عن ما إذا كان مديره التنفيذي والذي يتقاضى راتبا بعشرات الآلاف يستأجر سيارته على حساب الشركة أم على حسابه الشخصي .. ويؤخر معاملة إصلاح السيارة بناء على هذا السؤال الذكي والذي يهمه منه أن يقوم بتوفير بضع مئات .. وهو لا يعلم بأنه قد خسر ولاء هذا المدير وخسر ثقته وحبه لعمله .. فإذا كان رئيسي المباشر لا يهتم إلا بما يوفر عليه القليل ويتناسى الكثير الكثير مما يقدم لإنجاح عمله وتجارته .. فكيف تتخيل أن تكون نظرة المدير التنفيذي لمثل هذا الرئيس؟

للأسف الشديد فإن الشركات التي تطبق النظام الياباني في التعامل مع الموظفين هي أقل من القليل .. وأندر من الندرة .. ويمكنني أن أقول أنها بعدد بيض الصعو .. أو بعدد العصافير التي تُحلب ويشرب لبنها .. فمتى نصبح على طريق التقدم الذي وصلوا إليه أولا وأخيرا بأخلاقهم وإنسانيتهم التي يحثنا عليها ديننا وأخذوها هم وطبقوها ونسيناها نحن واتبعناهم في كل ما عداها من المساوئ والمثالب .. (حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه) فمتى ندخل جحر التقدم بدلا من دخولنا جحور التخلف والانحطاط؟